سيكولوجيا النمو وجان باجيه

سجل فى : 15/01/2007

July 24

سيكولوجيا النمو وجان باجيه

سيكولوجيا النمو وجان باجيه

جان باجيه

باجيه: ما الذى يجعل السحب تتحرك

الطفل : عندما أمشى للامام فهى تمشى للامام ايضا معى

باجيه : اذا هل تستطيع ان تجعلها تتحرك من مكانها

الطفل : نعم

باجيه : جيد اذا, ماذا لو تحركت انا وبقيت انت فى مكانك هل ستتحرك السحب

الطفل : ... بعد تردد ... نعم

باجيه: لكن فى الليل وعندما ينام الجميع هل تستطيع السحب ان تتحرك

الطفل : نعم

باجيه: لكنك اخبرتنى انها تتحرك فقط عندما يتحرك احدا ما

الطفل : فى الليل وعندما انام فان القطط والكلاب تستمر فى الحركة فى الشارع

( عن جان باجيه فى حوار مع طفل عمره 5 سنوات )

اذا كان لدينا ما نسمى جان باجيه به فمن الارجح والادق ان نسميه سيد مدرسة النمو والتطور النفسى, السيد الاول وعلى الاطلاق ايضا , فهو وحده الذى استطاع الغوص بعيدا فى نفس الطفل ليرسم لنا الهيكل العام لنظام تفكيره, والمهام العقلية التى تشغله, والتى يستطيع انجازها ونمط ,الذكاء الديناميكى الذى يتطور فى مسار الزمن والنمو .

لقد كان باجيه كانسان مبدعا, ومتفوقا, منذ طفولته المتأملة, فقد استطاع الحصول على الدكتوراة فى البيولوجيا وهو فى الاثنى والعشرين عاما من عمره , ولد باجيه فى سويسرا العام 1896 , لكن التغيير الاعمق الذى حدث فى حياة باجيه كان لاحقا, عندما بدا يولى اهتمامه فى مسائل النفس البشريه وتطورها , فقد انتقل لزيورخ وعمل فى مستشفى زيورخ للامراض النفسية كاحد مساعدى يوجين بلويلر ( بلويلر الذى يعتبر بحق واحد من اهم الاباء الروحيين والمؤسسين للطب النفسى وهو الذى استخدم مصطلح الشيزوفرينيا لاول مره ), وهناك قرأ وتعرف على سيجمند فرويد وكارل جوستاف يونج وأ لفريد ادلر الذين شغلوا الدنيا ايامها فى كتاباتهم وحواراتهم الحادة حول علم نفس الاعماق والتحليل النفسى, والتى بدات تاخذ طابعا اقرب لطقوس الصراعات الايدولوجية والدينيه منها للبحث العلمى الدقيق , وهذا لربما يكون هذا احد الاسباب التى لم تلتقى مع وعى وخلفية باجيه المنشغله بالمبدا البيولوجى والمبدا العلمى التجريبى, وبالتالى توجه فى دراساته وبقوه لدراسة الذكاء البشرى وتطوره عبر الزمن على اعتبار ان الذكاء صفة لها اسس بيولوجية من حيث انها تعكس طاقة الدماغ البشرى الجهاز الفائق القدرة الذى يتبلور ضمن مسار وراثى وبيولوجى واضح , ولربما نستطيع ان نجزم ان باجيه هو اول من وضع مصطلح ومقياس معدل الذكاء

) الدارج استخدامه الان على نطاق واسع وهناك اختبارات Intelligence quotient )

متعددة لقياس معدل الذكاء طورت من بعد باجيه من عاملين اخرين فى مجال قياس الذكاء . وخلال عمل باجيه فى تقييم نماذجه لاختبارات الذكاء عندالاطفال, و فى البدايه كان يقيس الذكاء على اساس قدرة الطفل على اعطاء الاجابة الصحيحة للسؤال المطروح فى الاختبار, لكنه فى مرحلة ما, بدا بتركيز جهوده للاجابه على سؤال اكثر عمقا وهو ليس ان كان الطفل يعطى اجابه صحيحة او خاطئة, بل لماذا يعطى هكذا اجابه اصلا , وكيف استطاع الوصول لهذه الاجابة , وكانت هذه اللحظة حاسمه فى كل اعمال باجيه , عندها وضع ثلاث اطفال لعدة سنوات تحت مراقبة دقيقة ولاختبارت متكررة, وبعدها خرج بالنتائج الثوريه لابحاثه.

وقد مات باجيه فى العام 1980 وكان يبلغ حوالى 84 سنه غير خلالها اشياءا كثيرة فى فهمنا عن الوعى البشرى .

وباجيه انطلق بالاساس من المعنى البيولوجى للوعى, بمعنى ان الوعى هو مجموعة من العمليات, تهدف فى النهاية لدمج الفرد فى الواقع وبالتالى المحافظة عليه من الفناء, اى ان الوعى ليس عملية مجردة معزوله, بل هى عملية تخدم توجهات المادة الحية للانسان فى الاستمرار والبقاء .

والوعى فى تطوره ينشا عن تفاعل خلاق بين الذات او( المادة الخام) التى يحدث فيها الوعى من جهة, والمواضيع الخارجية من جهة اخرى , و ينتج عن هذا التفاعل تغيير فى مركبات البناء الداخلى للوعى, ليصبح اكثر تاقلما مع الواقع ومتطلباته, ومع المتطلبات الداخلية للذات ايضا , وعملية تغيير الذات والتفكير فى المراحل الاولى من الحياة تتم عبر عملية تطور نفسى ( حاول باجيه وصفها), لكن فى مراحل متقدمة من العمر لا يتوقف التغيير فى بنية الذات لكنه يتباطىء , والاهم ان الذات تتحول لاداة تغيير للواقع نفسه, بحيث انها تغير وتتغير, بل ان الواقع الخارجى يبدا بالانعكاس داخل الوعى الانسانى, من خلال منظومة داخلية معقدة, تفرض هذه المنظومة الداخلية نفسها على طريقة تلقينا للواقع المحيط , والذى نراه كلما كبرنا بمعايير اخرى. انها عملية معقدة جدا ان لم تكن ذروة عمليه الخلق الالهى المعروفة لدينا ومن العبث التصور انه يمكن احداثها اصطناعيا ( كما قد يحلم البعض من الباحثين فى علوم الحاسوب والذكاء الاصطناعى ).

وهو فى وصف عملية التفاعل الخلاق هذه, تحدث عن عمليتيين والتين اعتبرهما الاساس البيولوجى للتطور المعرفى اسماهما الاستيعاب والتعديل.

فلو افترضنا وجود مثير خارجى ( م ) واستجابة داخلية ( أ ) فمفهوم الاستيعاب هو دمج وتكامل المثير الخارجى فى مكونات وبنى الاستجابات الداخلية و الاستيعاب بهذا المعنى هو تماما كعملية الغذاء للوعى حيث يتم تلقى المثيرات الخارجية وهضمها وتفكيكها لتدخل كعناصر بنيوية فى جسم الوعى , لكن الاستيعاب بحذ ذاته ولوحده لا يمكن ان يكون العملية الوحيدة فى ديناميكيات الوعى, فلا بد ان تدخل حيز التاثير عملية ثانيه اسماها باجيه( بالتعديل) و هى العملية العكسية للاستيعاب, وتتمثل بان يقوم الوعى باعادة صياغة صورة الواقع المثير وطريقة فهمه, وفقا للخلفية المعلوماتية المتوفرة, وهنا يلعب عامل العمر والتجربة دورا مهما , فالطفل لحظة الولادة وحولها ليس لديه الكثير ليضيفه ( كتعديل ) علىالمثيرات التى يتلقاها لانعدام الخلفية المعلوماتية والتجربة لديه الا بعض الاحاسيس والرغبات الجسمانية الغريزية, وبهذا فان عملية التعديل تنمو فى اطار عملية النمو النفسى ذاتها , بالرغم من انه بدونها لن يحدث نمو نفسى اصلا ( اشياء لا يمكن ايضاحها وترجمتها فى اطار مفاهيم الذكاء الاصطناعى الكمبيوترى ) . وعملية التعديل فى مراحل عمريه متقدمة قد تتحكم فى عملية الاستيعاب, فهى تبدا بلعب دور الفلتر , حول ما الذى يجب استيعابه وكيف ( بمعنى دمجه فى الذات كما اوضحنا ), وما الذى يجب اهماله وعدم استيعابه, وفى غيابها ( عملية التعديل ) او ضعفها على الاقل فى مراحل الطفولة فان معظم المثيرات المتلقاة يتم استيعابها ودمجها بدون فلترة او تمحيص , مما يجعل الطفولة مرحلة مؤثرة وحساسة لسهولة خدشها كحالة نفسية لا يمكن للطفل خلالها تعديل طبيعة التجربة الانسانية والمعلوماتية التى يتلقاها .

وفى سعية لوصف عملية النمو النفسى والذكاء فقد قام بتقسيه لعدة مراحل سنحاول ايجازها هنا

-المرحلة الحسية الحركي1

Sinsorimotor

تبدأ من الولادة حتى العامين

هذه المرحلة من تطور الذكاء اسماها باجيه بالمرحلة الحسية الحركية, وذلك لانعدام القدرة عند الطفل للتعامل مع الرموز العقلية العليا مثل اللغة , والاشارات, ولغة الجسد, وبالتالى فان النماذج العقلية المتوفرة لديه هى الاحاسيس القادمة من الحواس الخمسة للطفل, ومن حركات جسمه.

وقد قام باجيه بتقسيم هذه المرحلة لستة مراحل فرعية

وتكون (Reflexes ) فى المرحلة الاولى فان العامل المهيمن هو المنعكسات العصبية

فى البداية هذه المنعكسات قليلة, ومحدود العدد, وعفوية, وذات منبع ولادى لا ارادى, مثل منعكس القبض ( هذا منعكس يكون عند الاطفال حديثى الولادة , ففور احتكاك راحة يد الطفل باى جسم فانها تنقبض وتغلق اليد على هذا الجسم لا اراديا , ويسمى البعض هذا المنعكس العصبى بمنعكس القرد, حيث يتم تفسيره من منطلقات انثروبولوجية مفادها ان الانسان وفى المراحل التطوريه السابقة لما قبل مرحلة الانسان, عندما كان متسلقا للاشجار فقد كان بحاجة لان يطبق يده فور احتكاكها باى جسم وبدون تفكير لكى يبقى متشبثا فى الشجرة دوما لكى لا يسقط , والطفل هنا عند الولادة يكمل سلسلة من التطور بدات من خلية جنينية واحدة ومرت بكل المراحل الاركيولوجية للتطور المعروفة لدينا, وتنتهى بالولادة, حيث تكون منعكساته اقرب منها للمراحل التحويلية لما قبل الانسان الحالى, وهذا المنعكس ايضا قد نراه عند مرضى الفص الامامى للدماغ الاورام تحديدا فى الانسان البالغ,و على ما يبدو نتيجة لانهيار الجهاز الحركى الهرمى الموجود عند الانسان من دون الكائنات ).

عدا هذا المنعكس هناك منعكسات اخرى, مثل الرضاعة والمص, و التى يبدا بالعمل فورا وتلقائيا ايضا عند احتكاك الشفتين باى جسم خارجى.

والعملية الاستيعابية لهذه المنعكسات تبدا بادىء ذى بدء باستخدام هذه المنعكسات من قبل الطفل, وبالتالى الاحساس بوجودها كمنعكس , ومن ثم يبدا بتعميمه بحيث انه يمارسه وبشكل معمم على كل ما يثير نشوء أواثارة هكذا منعكس, فمثلا المص يكون معمما لكل ما يمكنه تحفيز الفم او يقترب منه, اما المرحلة الثالثة فهى بدىء الادراك من خلال تفضيل اثارة على اخرى او توجيه محدد لاداء المنعكس العصبى, فهو يبدا بتفضيل ثدى الام مثلا من بين كل الاشياء الاخرى التى تقترب من فمه وتثيره, لان هذا الثدى يحمل فى طياته شيئا يثير رضاه الا وهو الطعام.

امافى المرحلة الثانية من الطور الحسى الحركى وبعد عدة اسابيع من الولادة, فيصبح عدد ساعات اليقضة عند الطفل اطول من ذى قبل ,( ففى بداية الولادة فهو فى معظم ساعات النهار والليل يكون نائما وفى سلوكه يكون اقرب للجنين الذى يتحرك فى بطن كل عدة ساعات

وبعدها يهدا مطولا ) وهو الان يستطيع ان يشكل لاول مرة بعص العادات كنماذج عقلية مثلا البدىء بالرضاعة بطريقة معينة ومتكررة بنفس الشكل ولربما باوقات محددة الخ ولعل مجمل ادراك الطفل و وتفكيره يدور حول هذه العادة والعدد المحدود من المثيرات التى استطاع استيعابها

وفى المرحلة الثالثة يكون الطفل قادرا على التمييز بين بعض الحركات الاولية ونتائجها وقد يحاول تكرارها مثلا متابعة النظر للعبة متحركة امامه, او محاولة تكرار تحريك لعبة لها صوت استطاع ان يربط ان الصوت مرتبط سببيا بتحريك هذه اللعبة .. بمعنى اننا اما محاولة اولية للتاثير على الواقع , وبدايات متواضعة لدخول عملية( التعديل) فى مجرى التفكير,

خلالها تكون اختبارات الذكاء مكونة من قياسات للسلوكيات الحركية والتوازن فردود الأفعال تأخذ منحى مخطط بياني واضح (schema على تاتى على شكل استيعاب ( امتصاص المؤثرات الخارجية ودمجها فى سلوكه ) والتعديل ( بمعنى تعديل السلوك بحيث يكون قادرا على التأقلم مع المثيرات الجديدة ) .. ومع نهاية العام الثاني يجب أن يكون للطفل القدرة على التعامل والتذكر لمعطيات غير ظاهرة لدية وإعادة تكرار سلوك معين حتى فى حال الغياب الموضوعي ( الإخفاء ) للمثير الذي يتسبب فى هذا السلوك .

- مرحلة التفكير ما قبل العملياتى -2

- preoperational thought

ما بين ( 2- 7 سنوات )

مظاهر الأداء والتفكير الرمزي تبدأ فى الظهور ( اللغة والحركات )

وتبدأ بالظهور لديه مظاهر ايضا الذاتية من خلال استيعاب أشياء كثيرة فى اطار منظور خاص به لكن المسار العام للتفكير ليس مسارا منطقيا من يعتمد على الربط العقلي المعقد بين الظواهر بل هو تفكير سحري أو غيبي ( بمعنى تفسير الظواهر المحيطة به بفعل قوى غير مدركة لديه .. على كل هذه المرحلة لا تختفى تماما من مكونات الوعى البشرى وتظل هذه الصيغة تلاحقه مادام حيا بالرغم من انحسارها كصيغة مهيمنة , فكلية الظواهر فى هذا الكون اعجز من ان يعالجها الوعى البشرى من خلال استخدام الربط المنطقى بين الظواهر)

عدا ذلك يكون مجرى التفكير مرتبطا بالحوار القائم الذي يسمعه او بالمشهد الذة يراه و تختفي الفكرة المتعلقة بهذا الحوار فور انتهاء هذا الحوار او المشهد او المثير الخارجى .

وهو فى هذه المرحلة غير مدرك بوضوح أو قادر على التمييز بين ما هو حي وغير حي فقد يسقط صفات حية ورغبات على ألعابه

عدا ذلك فان مفهومه للعدالة بسيط جدا فى هذه المرحلة فهو يتصور وبعمق أن كل خطا يجب أن ينتهي بعقوبة ما

مرحلة العمل المحدد -3

concrete operation

ما بين (7- 11 سنة )

بداية ظهور التفكير العقلاني ( المنطقي ) من خلال ربط الظواهر بعوامل سببية كعلاقات متتابعة والقدرة على تذكرها ومحاولة ربطها ببعضها البعض وهنا يستطيع أن ينظر للأشياء كحالات جزئية أو كحالات شمولية ويستطيع وضعها فى قوالب فكرية ( بداية القدرة على البرمجة والتصنيف ) ويستطيع إدراك مفاهيم مجردة كالأعداد والأوزان والأطوال الخ وخلال الحوار معه فى مسائل معينة قد تبدو لديه أحيانا وجهات نظر خاصة به .

مرحلة العمل المؤطر -4

formal operation

بعد عمر 11 عام حتى نهاية المراهقة

ينشا لدى التفكير القدرة على ربط الأشياء ليس فقط بناءا على الظواهر المادية القائمة أمامه بل وبناءا على فرضيات وأحاسيس مسبقة

ويستطيع أن يراقب تفكيره الخاص بل ويتمكن أحيانا من مراقبة وتحليل تفكير الآخرين

وهو فى هذه المرحلة تبدأ لدية القدرة على تجاوز التصنيفات السطحية للأشياء بل يحاول أن يضعها ضمن مفاهيم عامة ومنظومات فكرية بمعنى ظهور التفكير الفلسفي المجرد

{.... توقيع Marshall ....}