ثالثًا: سيكولوجية اللعب:ماهية اللعب:
لقد فطر الله النفوس علي اللعب، لهذا الغرض فتراه عامًا بين الأطفال والشبان وبين جميع الكائنات الحية، فالطفل يولد مزودًا بعدة ميول ودوافع تتنقل إليه بالوراثة وتدفعه لأن يسلك سلوكًا معينًا ليحقق أغراضًا خاصة به، فاللعب استعداد فطرى وطبيعي وهو عند الطفل ضرورة من ضروريات حياته مثل الأكل والنوم، فالطفل ليس في حاجة إلى تعلم اللعب ولكنه في حاجة فقط إلى الإشراف والتوجيه، مما يثبت لك ببرهان محسوس أنه شرط أساسي في تنمية القوى وترقية المواهب.
فنجد الطفل يقضى كل زمن صحوه ونشاطه في اللعب، وليس من السهل علي الكبار أن يوقفوا تيار اللعب الجارف ولا أن يقفوا حائلاً دون تحقيق هذه الرغبة وهذا النشاط.
ومن الصعب الفصل بين الطفولة واللعب، بسبب الدور الأساسي الذي يقوم به اللعب في حياتهم، فالأطفال مولعون بإعادة تصوير خبراتهم في لعبهم، ويكشفون عن عالمهم الخاص وعلاقاتهم بالناس عن طريق اللعب، وهذا يجعلهم يعبرون عن خيالهم، ويتيح لهم فرصة التعبير عن حياتهم، فيخففون من مشاعر القلق التي يعانوها.
واللعب لا يختص بالطفولة فقط فهو يلازم أشد الناس وقارًا، ويكاد يكون موجودًا في كل نشاط أو فاعلية يؤديها الإنسان.
وتتنوع أنشطة اللعب في الطفولة من حيث الشكل والمضمون، ويتوقف هذا التنوع علي احتياجات الطفل في كل مرحلة من مراحل نموه، وكذلك علي الظروف البيئية التي تحيط بالطفل.
ويمكن تحديد معنى اللعب، فيما يلي:
هو نشاط إرادي مغمور بالحماس والرغبة، وهو يصدر عادة من طبيعة الإنسان نفسه ولا يفرض عليه من الخارج، ويقوم الإنسان بهذا النشاط لمجرد شعوره باللذة الارتياح.
أهمية اللعب:
ويمكن إجمال أهمية اللعب في ضوء الحقائق التالية:
- يعد اللعب ميل طبيعي يدفع الإنسان لمزاولته.
- اللعب يشبع حاجة أساسية للإنسان، فهو طريق الطفل لاكتساب الخبرة، وهو للصبي والشاب وسيلتهم الطبيعية لاستنفاذ طاقتهم الزائدة، ومع أن حياة الكبار وما تتطلبها من مسئوليات وواجبات تجعل اللعب يأخذ المكان الثاني، إلا أن الحاجة إلى اللعب أساسية لدرجة لا يمكن إغفالها.
- يساهم اللعب في تكوين الشخصية المتزنة وتنميتها، وهذا غرض أساسي من اللعب المنظم، فإذا سلك اللعب الطريق الصحيح، فإنه يساعد علي تقوية الجسم وتحسين الصحة، ويساعد علي النمو العقلي، وخلق روح المرح، وإتاحة الفرصة للتغيير الاجتماعي وتقويم الأخلاق.
- اللعب تمرين طبيعي لقوي الإنسان المختلفة، وسبيل إلى تنمية هذه القوي، ففي اللعب يجد الإنسان المؤثرات والدوافع التي تجعله يستخدم أعضائه وحواسه وعقله، الأمر الذي يساعد في تنميتها، والحركات الكثيرة التي تصاحب اللعب تجعل هذه التنمية متزنةً طبيعية لا تكلف فيها، فضلاً عما يكتسبه الجسم من عناصر اللياقة البدنية.
- أن الإنسان يجد في اللعب فرصة للتعبير عن نفسه، وهذا يحقق له السرور والاستمتاع ويجلب له السعادة.
- إن السرور الذي يصاحب اللعب يدفع الإنسان للعمل، ومن ثم نادى الخبراء بتنظيم برامج للألعاب ضمن مجالات العمل لزيادة الإنتاج.
- يعمل اللعب علي رفاهية المجتمع، فالشخصية المتزنة أساس العلاقات الطيبة مع الغير، والمعيشة في جماعات سر حياة الإنسان، وجماعات اللعب تتيح الفرص التي لا تبارى لدعم هذه لعلاقات الإنسانية الجميلة والصداقة القوية الممتعة التي تولد الاتحاد والانسجام.
قيمة اللعب النفسية:
يذكر أن أفلاطونPlato، كان أول من أدرك القيمة العملية للعب، وكذلك رأى أرسطوAristote، ضرورة تشجيع الأطفال علي اللعب بالأشياء التي سوف يحتاجون جهدًا إلى استخدامها في الكبر.
ويعد اللعب في مرحلة الطفولة المبكرة ذا أهمية كبرى، ويقدره الباحثون كل التقدير لعظمة تأثيره في مراحل النمو، فمعظم العلماء لا ينكرون قيمة مرحلة الطفولة ومدى تأثيرها الكبير في تكوين شخصية الإنسان في كيفية مواجهته للحياة وتوقعه منها وفي طريقة معاملته مع الآخرين.
ويوجد مغزى ومعنى وراء اللعب، وخاصة بين الأطفال المضطربين نفسيًا أو أولئك الذين يشعرون بالحرمان أو الإهمال أو المعاملة السيئة أو القسوة أو نتيجة أزمات واضطربات منزلية، كما في حالات الطلاق أو شرب الخمر أو غيبة طويلة في الخدمة العسكرية أو اضطرار الأم إلى الخروج للعمل، فالأطفال الذين يؤتون من منازل مضطربة يجدون في النشاط اللعبي أكبر معين لهم للتعبير عن مشكلاتهم الخاصة والتنفيس عنها.
ولقد وجد أن طريقة اللعب العلاجي Play Therapy ، تعد من الطرق الفعالة للعلاج النفسي وخاصة مع الأطفال، واستخدم فرويد، اللعب لأول مرة مصادفة في العلاج النفسي، إلا أن آرائه عن اللعب في أنواع العلاج المختلفة والمستمدة من نظرية التحليل النفسي كان لها أثارًا مباشرة، وطبقت علي الأطفال ذوى الاضطراب النفسي، ومعظم هذه الأنواع من العلاج استخدم فيها اللعب التلقائي واللعب الخيالي.
وقد استخدمت ميلاني كلين Melanie Klein، اللعب التلقائي في علاج الأطفال المضطربين نفسيًا، وافترضت أن ما يقوم به الطفل خلال اللعب الحر يرمز إلى الرغبات والمخاوف والصراعات غير الشعورية.
وقد استخدم كل من سيموندسSymonds، وآمن ورينسيونAmen and Renison اللعب الخيالي لعلاج حالات القلق والتوتر عند الأطفال.
كما استخدمت هيرمين هيوج هلموثHermine Huge Hellmuth، ظاهرة اللعب مع الأطفال المضطربي العقل بغرض ملاحظتهم وفهمهم.
ومع بداية عصر النهضة زاد الاهتمام بأهمية اللعب، ولقد نادى بذلك المربين في ذلك الوقت.
ويعتبر هربرت سبنسرHerbert Spencer، أن اللعب هو أصل الفنون، ويؤكد هويزنجا Huizinga، علي أن اللعب يعد من أقدم أنواع الثقافة، وأن الحضارة مستمدة من اللعب، فمظاهر النشاط الابتكاري كالفن والمهن والكشف العلمي… جميع هذه الأشياء تمت بصلة وثيقة إلى اللعب.
فقد نادى جون جاك روسوJohan Jacques Rousseau، بمنح الطفل حرية كبيرة في الحركة واللعب إيماناً منه بالتربية وفقًا للطبيعة.
وكان كومينوسComenuis، يرى أن الجسم يجب أن ينمو عن طريق الحركة، كما ينمو العقل عن طريق الكتب، ولذا قسم اليوم المثالي للطفل إلى ثلاث فترات: فترة للنوم، وفترة للنمو العقلي، وفترة للترويح البدني المتعدد الأنواع.
أما فريدريك فروبلFriedrick Frobel، فقد أظهر المغزى الفلسفي للعب واقترح أيضًا كيفية الاستفادة من اللعب في العملية التربوية والتعليمية، إذ يقول
"أن اللعب نشاط تلقائي ونفسي، وفي الوقت نفسه مثال للحياة البشرية في مجموعها، ولذلك كان مقترنًا دائمًا بالفرح والحرية والرضا والراحة النفسية والجسمية والسلام العالمي".
وقد أكد جيمس ساليJames Sally، أن اللعب ضروري للنشاط الاجتماعي، وأنه حالة سارة إذ أن الأطفال يغلب عليهم الضحك أثناء لعبهم، فالضحك يكون بمثابة دلالة علي السرور.
و يقول لوينفيلد Lowenfeld، أن في الإنسان طاقة زائدة يحسن أن يصرفها عن طريق الضحك في الوقت المناسب، وإذا لم تصرف هذه الطاقة عن هذا الطريق يكون لها أثر سيء علي النمو العقلي فتعطله وتعوقه عن التقدم.
وأشارت ماريا منتسوريMaria Montessori، إلى أهمية إعطاء الأطفال حرية واسعة النطاق في حركاتهم وألعابهم واستخدام لعبهم، واقتصر عمل المربى علي عملية الإشراف والتوجيه، وكذلك اهتمت بتدريب الحواس والإدراك الحسي لدي الأطفال.
وقد أكدت البحوث والدراسات التي أجريت حول هذه الظاهرة، علي أن اللعب هو مدخل وظيفي لعالم الطفولة، ويؤثر في تشكيل شخصية الإنسان في سنوات طفولته، وهى تلك الفترة التي يتفق علماء النفس حول أهميتها كركيزة أساسية للبناء النفسي للإنسان في مراحل نموه المتتالية.
فإذا استطعنا غرس حب اللعب الشريف في نفوس الأطفال، الذي يحقق إيمانهم بالقيم الخلقية ويعودهم علي السلوك وفق هذه القيم، فإننا نكون قد حققنا شيئًا عميق الأثر في النهوض بمجتمعنا.
دعوا الأطفال يلعبون، بل دعوا الجميع يلعبون